خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 27 من جمادى الآخرة 1441هـ - الموافق 21 / 2 / 2020م
بِالشُّكْرِ تَدُومُ النِّعَمُ
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:
إِنَّ نِعَمَ اللهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ عَظِيمَةٌ، وَآلَاءَهُ عَلَيْهِمْ جَسِيمَةٌ؛ فَعَطَايَاهُ سُبْحَانَهُ لَيْسَ لَهَا انْقِطَاعٌ، وَمِنَنُهُ لَا يُوَفِّيهَا أَدَاءٌ وَلَا قَضَاءٌ، وَقَدْ خَصَّ الْمَوْلَى جَلَّ وَعَلَا الْبَشَرِيَّةَ بِنِعَمٍ تَتْرَى، وَفَضَّلَهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ بِآلَاءٍ تَتَوَالَى؛ قَالَ تَعَالَى: )وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ( [الإسراء:70]، وَمِنْ أَجَلِّ هَذِهِ النِّعَمِ وَأَعْظَمِهَا عَلَى الْخَلْقِ: نِعْمَةُ الْهِدَايَةِ إِلَى طَرِيقِ الرَّشَادِ، وَمَعْرِفَةِ حُقُوقِ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ، وَأَدَائِهَا لَهُ سُبْحَانَهُ بِالطَّاعَةِ وَالِانْقِيَادِ؛ قَالَ تَعَالَى: )يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( [الحجرات:17]، وَقَدْ أَمَرَ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَكُونُوا لَهُ مِنَ الشَّاكِرِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: )فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ( [البقرة:152].
وَهَذَا مَا امْتَثَلَهُ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ فَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَفْتُرُ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ شُكْرًا عَلَى فَضْلِهِ عَلَيْهِ وَإِنْعَامِهِ؛ فَعَنِ الْمُغِيرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَقُومُ لِيُصَلِّيَ حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ - أَوْ سَاقَاهُ - فَيُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
وَقَدْ وَصَفَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ: )إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا( [الإسراء:3].
كَمَا أَثْنَى عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: )إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( [النحل:120-121].
وَقَدْ أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عِبَادَهُ بِأَنْ يَكُونُوا شَاكِرِينَ لَهُ مُقِرِّينَ بِفَضْلِهِ وَإِنْعَامِهِ عَلَيْهِمْ؛ قَالَ تَعَالَى: )بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ( [الزمر:66] وَقَالَ سُبْحَانَهُ: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ( [البقرة:172].
كَمَا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ حِفْظِ النِّعَمِ وَالْمَكْرُمَاتِ، وَدَوَامِ إِسْبَاغِهَا عَلَيْهِمْ مَا دَامَتِ الْأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ: الِاعْتِرَافَ لَهُ جَلَّ وَعَلَا بِالشُّكْرِ وَالِامْتِنَانِ، وَالْإِقْرَارَ لَهُ سُبْحَانَهُ بِالْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ، فَذَلِكَ سَبِيلٌ لِبَقَاءِ النِّعْمَةِ وَنَمَائِهَا، وَطَرِيقٌ لِنَيْلِ ثَوَابِ اللهِ وَرِضَاهُ؛ قَالَ تَعَالَى: )وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ( [إبراهيم:7]، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ شُكْرَ النِّعْمَةِ وَإِنْ قَلَّتْ سَبَبٌ لِنَيْلِ رِضَا اللهِ تَعَالَى).
عِبَادَ اللهِ:
وَشُكْرُ نِعَمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَكُونُ بِالِاعْتِرَافِ بِهَا لَهُ سُبْحَانَهُ بِقَلْبِ الْعَبْدِ وَلِسَانِهِ، وَإِظْهَارِ النِّعَمِ مَعَ الثَّنَاءِ عَلَى الْمُنْعِمِ، وَصَرْفِ هَذِهِ النِّعَمِ فِي طَاعَةِ اللهِ وَالْقُرْبِ مِنْهُ، وَعَدَمِ اسْتِخْدَامِهَا فِي مَا يُغْضِبُ الرَّبَّ جَلَّ وَعَلَا، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: (وَالشُّكْرُ يَكُونُ بِالْقَلْبِ خُضُوعًا وَاسْتِكَانَةً، وَبِاللِّسَانِ ثَنَاءً وَاعْتِرَافًا، وَبِالْجَوَارِحِ طَاعَةً وَانْقِيَادًا). قَالَ تَعَالَى: )وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ( [الضحى:11]، أَيِ: انْشُرْ مَا أَنْعَمَ اللهُ بِالْشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ، وَالتَّحَدُّثِ بِنِعَمِ اللهِ.
وَالشُّكْرُ لَهُ دَرَجَاتٌ يَنْبَغِي عَلَى ذِي الْهِمَّةِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى تَحْقِيقِهَا إِرْضَاءً لِرَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: (الشُّكْرُ عَلَى دَرَجَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا وَاجِبٌ، وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَاجِبَاتِ وَيَتَجَنَّبَ الْمُحَرَّمَاتِ، فَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ، الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الشُّكْرِ: الشُّكْرُ الْمُسْتَحَبُّ، وَهُوَ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بَعْدَ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَاجْتِنَابِ الْمَحَارِمِ بِنَوَافِلِ الطَّاعَاتِ، وَهَذِهِ دَرَجَةُ السَّابِقِينَ الْمُقَرَّبِينَ).
وَكَمَا أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَمَرَ عِبَادَهُ بِشُكْرِ نِعَمِهِ، فَقَدْ حَذَّرَهُمْ مِنْ كُفْرَانِهَا، وَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ ذَلِكَ مُؤْذِنٌ بِزَوَالِ تِلْكَ النِّعَمِ وَحُلُولِ غَضَبِ الرَّبِّ جَلَّ وَعَلَا؛ قَالَ تَعَالَى: ) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ( [إبراهيم:28-29].
وَمِنْ كُفْرَانِ النِّعَمِ: عَدَمُ شُكْرِ الْمُنْعِمِ، وَعَدَمُ الْإِقْرَارِ لَهُ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ عَلَى عِبَادِهِ، كَمَا يَكُونُ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ بِاسْتِخْدَامِهَا فِي مَعَاصِي اللهِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِالْأَكْلِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَالشُّكْرِ لَهُ، فَمَنِ اسْتَعَانَ بِنِعَمِ اللهِ عَلَى مَعَاصِيهِ فَقَدْ كَفَرَ نِعْمَةَ اللهِ وَبَدَّلَهَا كُفْرًا وَهُوَ جَدِيرٌ أَنْ يُسْلَبَهَا، كَمَا قِيلَ:
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا فَإِنَّ الْمَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمْ
وَدَاوِمْ عَلَيْهَا بِشُكْرِ الإِلَهِ فَشُكْـــرُ الإِلَهِ يُزِيلُ النِّقَــمْ
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثّانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَعَدَ مَنْ أَطَاعَهُ أَجْرًا كَرِيمًا، وَأَعَدَّ لِمَنْ عَصَاهُ عَذَابًا أَلِيمًا، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إِقْرَارًا بِهِ وَاعْتِرَافًا لَهُ وَتَعْظِيمًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ عَصَاهُ أَذَلَّهُ وَأَخْزَاهُ، وَمَنْ أَطَاعَهُ أَكْرَمَهُ وَأَوْلَاهُ؛ ) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا ( [الفتح:17].
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
إِنَّ مِنَ النِّعَمِ الفَائِقَةِ العَظِيمَةِ وَالْمِنَحِ الْمُبَارَكَةِ الْكَرِيمَةِ: مَا مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَى بِلَادِنَا الْعَزِيزَةِ بِنِعْمَةِ التَّحْرِيرِ، بَعْدَ أَنْ رَزَحَتْ مُدَّةً مِنَ الزَّمَنِ تَحْتَ بَطْشِ الطُّغَاةِ الْغَاشِمِينَ، حَتَّى سَخَّرَ لَنَا الْمَوْلَى بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ مِنَ الْأَشِقَّاءِ وَالْأَصْدِقَاءِ وَالْمُخْلِصِينَ مَنْ أَعَانَنَا عَلَى تَحْرِيرِ الْبِلَادِ، وَإِرْجَاعِ الْحَقِّ لِأَهْلِهِ، وَتَخْلِيصِ الْعِبَادِ مِنْ ظُلْمِ الْغَادِرِينَ، وَأَذِيَّةِ الْمُجْرِمِينَ.
إِنَّهَا لَمِنَّةٌ عَظِيمَةٌ مِنَ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِنِعْمَةِ الْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ فِي الْأَوْطَانِ، فَعَلَيْنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ تَعَالَى عَلَى تِلْكَ النِّعْمَةِ وَنِعْمَةِ الِاسْتِقْلَالِ وَسِوَاهُمَا مِنَ النِّعَمِ، الَّتِي تَرْفُلُ بِهَا هَذِهِ الْبِلَادُ الْمُبَارَكَةُ صَبَاحَ مَسَاءَ تَكَرُّمًا وَفَضْلًا مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَإِنَّ مِنْ شُكْرِ تِلْكَ النِّعَمِ: أَنْ نَحْمَدَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ دَوْمًا وَنَشْكُرَهُ مُعْتَرِفِـينَ لَهُ بِفَضْلِهِ وَمِنَّتِهِ عَلَى وَطَنِنَا وَمُجْتَمَعِنَا، وَأَلَّا نَنْسَى أَنَّ مَا بِنَا مِنْ نِعَمٍ هِي مِنْهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
وإِنَّ مِنْ شُكْرِ تِلْكَ النِّعَمِ: أَنْ نُرَاقِبَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي التَّصَرُّفِ بِهَا، وَالتَّعَامُلِ مَعَهَا، فَنَبْتَعِدَ عَنِ الْبَطَرِ، وَالِاسْتِعْلَاءِ عَلَى الْخَلْقِ، كَمَا نَبْتَعِدُ عَنِ الْإِسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ وَتَضْيِيعِ الْأَمْوَالِ وَالطَّاقَاتِ فِيمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ.
وَإِنَّ مِنْ شُكْرِ تِلْكَ النِّعَمِ أَيْضًا: أَنْ نُخْلِصَ الْعَمَلَ لِلَّهِ فِي خِدْمَةِ دِينِنَا وَوَطَنِنَا وَمُجْتَمَعِنَا، وَأَنْ نَقِفَ مُلْتَفِّينَ حَوْلَ وُلَاةِ أُمُورِنَا، صَفًّا وَاحِدًا فِي وَجْهِ مَنْ يُحَاوِلُ الْعَبَثَ بِأَمْنِ وَطَنِنَا وَشَقِّ وَحْدَةِ صَفِّهِ، مُسْتَشْعِرِينَ نِعَمَ اللهِ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْأَمَانِ وَالِاسْتِقْرَارِ فِي وَقْتٍ تَتَخَطَّفُ الْفِتَنُ بَعْضَ الْمُجْتَمَعَاتِ مِنْ حَوْلِنَا.
وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ مِنْ مَظَاهِرِ كُفْرِ النِّعْمَةِ وَعَدَمِ شُكْرِهَا: مَا يَبْدُرُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَيَّامِ مِنْ تَصَرُّفَاتٍ خَاطِئَةٍ وَسُلُوكِيَّاتٍ غَيْرِ مَسْؤُولَةٍ بِرَشِّ الْمِيَاهِ عَلَى الآخَرِينَ أَوْ رَشْقِهِمْ بِمَا يُؤْذِي أَعْيُنَهُمْ أَوْ يُتْلِفُ مُمْتَلَكَاتِهِمْ أَوْ يَنْتَهِكُ احْتِرَامَهُمْ وَخُصُوصِيَّاتِهِمْ، أَوْ مَا يَقُومُ بِهِ الْبَعْضُ مِنْ إِغْلَاقِ الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقِ وَتَعْطِيلِ حَرَكَةِ الْمُرُورِ، فَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ نَهَانَا دِينُنَا عَنْهُ، وَتَرْفُضُهُ قِيَمُنَا وَعَادَاتُنَا وَأَخْلَاقُنَا الْحَمِيدَةُ.
أَلَا فَلْنَتَّقِ اللهَ فِي نِعَمِهِ عَلَيْنَا، وَلْنُؤَدِّ حَقَّ مُجْتَمَعِنَا وَوَطَنِنَا وَنَرْتَقِ بِأَخْلَاقِنَا.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ؛ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ آلِ النَّبِيِّ وَأَزْوَاجِهِ وَسَائِرِ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، اللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَيْنَا نِعَمَكَ، وَبَارِكْ لَنَا فِيهَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهُمَّ اصْرِفْ عَنَّا كُلَّ شَرٍّ وَسُوءٍ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَأَلْبِسْهُمَا لِبَاسَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، وَارْزُقْهُمَا الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ الَّتِي تَدُلُّهُمَا عَلَى الخَيْرِ وَتُعِينُهُمَا عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة